مدمـن فـي الحـج


يجلس وحيدا ... يمشي وحيدا ... ينام وحيداً

دمعة تترقرق في عينيه، يكفكفها بين حين وآخر

تابعته بنظري، تساءلت : هل هو فعلاً وحيد ؟

راقبته وهو يتنقل بين المشاعر، ليس له أم يرعاها ولا زوجة يهتم بشأنها

تيقنت من وحدته

مضى اليوم الأول من أيام التشريق

تخلى عن وحدته قليلاً

شارك الحجيج مجالس الذكر، والذكريات

وفي لحظة صفاء، أنفردت به جانباً

نظرت إليه نظرة تجاوزت حدود المكان والزمان

بادلني النظرة، أرخى برأسه إلى الأرض

تبدو لغزاً محيراً بالنسبة لي

نظر إليّ وقال : ولماذا ؟

شاب مثلك، لاتبدو عليه ملامح الاستقامة، يحج وحده، لا يرافقه أبٌ ولا أم

ولست حديث عهدٍ بزواج فتأتي بزوجتك، ولا رفقاء لك

قال: وربما قلت في نفسك، ومظاهر الانحراف تبدو عليك

لم استطع أن أخفي مشاعري عليه وهو يقول هذه الكلمات التي كتمتها منذ لحظات

أسمع قصتي، وستعرف سر اللغز

أنصت له وقد زادني هدوئه شوقاً للسماع

نشأت في أسرة متوسطة الحال، أبي رجلٌ صالح، وأمي أيضاً، كبرت وكبرت آمالهما في أن أصبح طبيباً أو مهندساً أو طياراً، ولكنني جلبت لهما الأحزان، بعد أن تعرفت على رفقاء سوء، قادوني للسهر واللهو والعبث

ثم قادوني للتدخين، و طبعاً دخلت معهم عالم المخدرات

كان الأمر سراً، ولكن مدمن المخدرات لا يحتفظ بسره، كل شيء يفضحه

ضعف البدن، الهم والغم، الغضب السريع، النوم الكثير، كثرة الخروج والسهر، كل شيء، يفضح سره ..

نصائح وتوجيهات أبي ضاعت بين طيش الشباب وعناد المراهق، وسكرة الشهوة والمخدرات ..

هربت من البيت، نصائح أبي، ترهقني، تجعلني أغضب

أحب أبي لا أريد أن أواجهه، أمسيت لا أعود إلا مع طلوع الفجر .

قد يكون نائم، أو يتظاهر بالنوم، لم أكن أحاول أن أعرف ماذا يحدث

المهم أن أتسلل إلى سريري لكي أنام ..

إلى أن جاءت تلك الليلة

عدت إلى البيت, فتحت الباب، تسللت كعادتي، خطوت نحو الغرفة

شعرت بحاجة إلى الماء، توجهت نحو المطبخ، تسلل إلى سمعي صوت

تتبعته بهدوء، ظهر لي ضوء خافت، سرت نحوه، وهناك على الباب

وقفت أنظر ماذا يحدث، كدت أن أسقط على الأرض

رعشة سرت في جسدي، أصابتني قشعريرة، شعرت بهزةٍ زلزلت كياني

إنه صوت أبي يدعو لي في ظلام الليل

إنه أبي يبكي وينتحب

إنه أبي الذي ما رأيته يبكي في يوم من الأيام، يبكي وأنا السبب

أسرعت نحو غرفتي، وأخذت أبكي، أنا يا أبي أنا من أجرى دمعك

أنا من أبكى قلبك، أنا دمعتك وكنت تأمل أن أكون بسمتك

أنا بكاؤك وكنت تأمل أن أكون سعادتك، أنا حزنك وشقاءك

أنا بؤسك وعناءك، أنا يا أبي، يا رب، أرحمني يا رب

شقاء حياتي وجلبت لمن أحبوني الشقاء

لم يشعر أبي بما حدث

وفي اليوم الثاني كتبت اسمي في حملة الحج

ولهذا تجدني وحيداً دمعة أبي أحرقتني، أحرقتني، أحرقتني

وجئت إلى هذه المشاعر لتطفئ نار المخدرات التي كادت أن تحرق أبي قبل أن تحرقني، ثم أنخرط في البكاء

لم أتمكن من منع دموعي التي أبت إلا أن تشاركه البكاء

اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم أقر عينه برضا والديه عليه

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

كم من الصعب ان يجد المرء نفسه حبيس المخدرات و الانحراف و لكن يبقى الامل و الفرج ما بقيت الحياة و لعل موقف الشاب من رؤية والده يبكي تعيد فيه حياة قلبه ,اللهم اهده و اهد كل من في طريق الضلال,امين

موسوعة أروع و أفضل القصص