توبـة داعيـة غـزة

أشرقت الشمس على بلدتي ...
غردت العصافير على ما تبقى فيها من شجر ...
تسللت أشعة الشمس الدافئة من خلال النافذة لتعانق صفحة خدي ...
فزعت ، نظرت إلى ساعتي، لم يبق سوى دقائق معدودة على الموعد ...
نفضت الغطاء وأسرعت أغسل وجهي وألبس ثيابي ...
ألقيت بنظرة من خلال النافذة، كان منظر التلاميذ وهم يحملون حقائبهم المدرسية على ظهورهم جميلاً ، وأجمل من ذلك براءة الأطفال التي تنبعث من أعينهم، رغم مظاهر الدمار التي أحاطت بهم، وملامح البؤس والفقر والحرمان الذي جلبه لهم الاحتلال الصهيوني ...
خرجت من غرفتي، أمي وأبي قد جلسا يتناولان الإفطار، ألقيت عليهما نظرة خاطفة، ارتد بصري بسرعة، لم استطع أن أملي عيني منهما ، شعرت بأن نظراتهما الحزينة كلمات لاذعة تعاتبني وتوبخني، وأحياناً تتوسل إليّ : لماذا لا تصلي ياولدي ؟...
وقفت لحظة تمنيت لو أنني أعود طفلاً صغيراً تمطره أمه بالقبلات، أما أبوه فيربت على شعره وهو يردد : لا تفسدي الولد نريده مجاهداً يطرد اليهود من أرضنا ...
أسرعت بالخروج هروباً من تأنيب الضمير الذي حاصرني في تلك اللحظة ...
خرجت من البيت ومع أول خطوة أخطوها تبخرت لحظة الألم التي شعرت بها قبل ثواني معدودة ...
0-0-0-0-0-0-0
ضاقت الطرقات بالناس، اختلطت الأصوات، إنه يوم جديد يحمل الكثير من الأماني والأحلام ...
حركة الناس طبيعية، السيارات، المحلات، المصانع، المتاجر والأسواق، كل شيء في بلدي طبيعي ...
وفجأة ...
اهتزت الأرض تحت أقدامنا ...
اضطرب الناس، عم الذعر والخوف في كل مكان ...
طائرات إف 15 الأمريكية تحلق في السماء تطلق صواريخها على بلدتي، وتنشق الأرض عن مدرعات ومصفحات يقودها أحفاد القردة والخنازير ...
اشتعلت النيران، ارتفعت الصرخات، أصوات الانفجارات تنبعث من جهات شتى ...
لم أعد أسمع سوى ضجيج القصف والتدمير والطائرات المحلقة وهي ترسل النار لتحرق الأرض وتدمر المنازل ...
تقدم أبطال الحجارة شباباً وأطفالاً يحملون حجارتهم ، يقذفون بها الأعداء ، بصدورهم العارية وقفوا أمام الدبابات، كان منظراً رهيباً، انطلقت رصاصات الغدر والمكر لتحصد أرواح الشباب والأطفال، وتنفس عن الحقد والغل اليهودي ...
انطلقت الرصاصات لتغتال سبعة عشر شاباً وعشرات من الجرحى بل الموتى ولكن بقلوب تنبض ...
القنابل السامة والمسيلة للدموع أحالت النهار إلى ليل، تلتفت يمينا وشمالاً فلا ترى إلا سيارات الاسعاف تسعف جريحاً، أو تنقل شهيداً ....
لا ترى إلا الدموع ولا تسمع إلا البكاء ...
انطلقت أجري وأجري، أبحث عن مكان أختبئ فيه ...
تركت عملي، هربت من البيت فالجنود الصهاينة يداهمون المنازل بحثاً عن الشباب ...
وهناك في المخبأ الآمن ...
تذكرت طفولتي وأحلامي أن أقتل اليهود ...
تردد في سمعي كلمات كنت أشدو بها عندما كنت صغيراً : خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود ...
عادت أماني من جديد كطيف يمر بذاكرتي ...
أمي .. أتمنى أن أجاهد في سبيل الله ...
أتمنى أن أقتل اليهود وأطردهم من بلدي ...
جرت دمعة على خدي حينما شعرت وكأن أمي تربت بيدها على شعري ، وهي تقول : غداً تكبر ياولدي وتحقق حلمك، قول : إن شاء الله، وهنا عدت إلى الواقع وصرخت : إن شاء الله، إن شاء الله ...
وقفت، هممت أن أركض، أن أعود إلى بلدتي ...
أن أحمل حجراً، أن أقتل يهودياً أو أُقتل ...
تقدمت خطوات ألقيت نظرة على بلدتي، وقفت ولم استطع مواصلة الركض، سيطر الخوف على قلبي، جلست وضعت رأسي بين يديّ، بكيت بكاءً صامتاً، لم تجري له دموعي، اضطرب له صدري ...
أنت جبان .. همست بها لنفسي، نعم أنت جبان بل أنت كاذب ...
صرخت ... لا أريد أن أموت ...
كيف ألقى ربي؟ كيف ألقى ربي ؟...
تذكرت حينها غفلتي وذنوبي، تذكرت الصلاة التي تركتها منذ زمن بعيد، تذكرت أبي وأمي، تذكرت إخوتي وأقاربي، والناصحون في بلدتي، كيف ألقى ربي؟ وأنا تارك للصلاة بالكلية، نعم تارك للصلاة بالكلية ...
هل تدري ماذا تعني هذه الكلمات ؟ ...
العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ...
نعم ..نعم لا أريد أن أموت ... يجب أن أصلح مابيني وبين ربي ...
يا رب ... أتوب إليك واستغفرك ...
مضى ذلك اليوم، لكن الغارة لا تزال مستمرة، مداهمة المنازل توقفت، عدت مع من عاد نواسي الجرحى ونشيع القتلى، إنهم الأبطال الذين دافعوا عن أرضنا، بكيت كثيراً، وبكيت أكثر كلما تذكرت أن ضعفي وخوري جعلني أهرب من مواجهة العدو، لم استطع أن أنام، قمت أصلي وأصلي، عاهدت ربي على المحافظة على الصلاة ...
لقد أفقت من غفلتي، فالحمد لك يا ربي أن حفظتني وأمهلتني لأعود إليك، سأعود داعية إلى الله، داعية إلى قتل اليهود وطردهم من بلدي، وليعلم أحفاد القردة والخنازير أن القتل والتعذيب أن الهدم والتدمير لن يزيد أمتنا إلا قوة وعودة، وكما عدت أنا عاد الكثير ...
هذه قصة شاب فلسطيني كتبتها بقلمي بعد أن أرسلها لنا أختمها بكلماته إذ يقول: والحمدلله من ذلك اليوم وأنا ملتزم بالصلاة والحمد لله وأتمنى من الله أن يرزقني حور طين وعين في أقرب وقت .. يارب العالمين وبارك الله فيكم ...

ليست هناك تعليقات:

موسوعة أروع و أفضل القصص