توبة عند قبر

قصة واقعية


بسم الله الرحمن الرحيم

كنت في غفلة عن ديني وفرائضي، أخذتني هذه الدنيا بعيدا عن ربي، ألهتني الملذات والشهوات، لم أكن أقتنع بأن هناك إله، ربما أنني بسبب ما توفر لديّ من أسباب الدنيا وملذات الحياة التي قلما أن تتوفر لشاب في سني . شرب خمر، ولا صلاة ولا صيام، كنت أقرب للإلحاد من الأيمان . إلاّ أن كانت فيّ خصال أعتقد أن ربي أحبها فيّ ونماها وزرعها كنت أكره الزنا وكنت صادق ولو ضد مصلحتى وأحب الخير للناس، وأساعد المحتاج، وأعطف على إقربائي الفقراء . لكن كل هذا بدون أيمان وبدون إسلام وصلاة لا شيء وكنت لا أحب أن أجلس مع المطاوعة .

حتى جاءت يوم الإرادة الربانية، حيث كان لي أبن عم لي وهو صديقي العزيز دائما كنا متلازمين في رحلاتنا وفجراتنا ومعاصينا، وكان أيضاً لدية الخصال الطيبة التي ذكرتها، وهذا أعتقد نابع من طيب الأصل حيث أن أجدادي كانوا علماء أو صالحين ولديهم مؤلفات جليلة، ولكن سبحان الله مغيّر الأحوال التي أختلفت فينا وصرنا من الملحدين (بمعنى الكلمة) . فأراد ربنا أن يكرمنا نحن الأثنين بطريقة خاصة وقوية وشديدة التأثير .

في عمان (وفي بلدة ريفية صغيرة من المنطقة الداخلية) تحيط هذه البلدة الجبال وكأنها وقعت من السماء في حفرة من الحفر الجبلية، تتميز هذه البلدة وهي بلدتي التي تربيت ونشأت وأقمت فيها، أحبها كثيراً، تتميز بالأفلاج (وهي عبارة عن جداول من الينابيع) الحارة المعدنية .

وكانت لنا ( وأبني عمي ) أوقات نستحم بها فيها في الفلج .
يوماُ ما قررنا أن نذهب للأستحمام من الفلج، وأخترنا وقت بُعيد صلاة العشاء، حيث الهدوء والسكينة، بعيداً عن الحركة والأصوات (على الرغم بأن البلدة نفسها هادية ساكنة) فهذا سكون على سكون، وأخترنا مكان للإستحمام بقرب من المقبرة (ونحن نسميها في عمان ـ المدينة أحتراماً للموتى) وأن هذه المقبرة قديمة جداً ربما تصل مئات السنين على الرغم بأن البلدة تستخدمها، إلاّ أن شواهد القبور القديمة ما زالت باقية كأنها دفنت بالأمس .

وكان على الفلج بركة (حوض للإستحمام أو بالأحرى بالأستجمام حيت المياه المعدنية الكبريتية وغيرها من المعادن) . وكان عادتنا أن نستجم بالإزار (حيث بقية من الحياء في قلوبنا) والإزار ما غطى السرة إلى ما دون الركبة . ودخلنا البركة وجلسنا على أحد الرفص فيها، وبدأنا تذوق السكون والهدوء وبدأت الأعصاب وعضلات الجسم التي أنهكها العمل بالإسترخاء، وبدأنا مطالعة النجوم (لأن المكان بعيد عن أضواء البلدة) وقمنا بالتمعن في السماء وندقق في نجومها ومجراتها، بدأنا نهمس في أذن بعض ونقول هل يُعقل بأن هذا الكون بلا صانع، هل هذا الجمال السماوي الأخاذ بلا مبدع .

نعم أنه لابد له من مبدع وهل يعقل يا ربيع (أبن عمي) بتركيبتك هذه بلا مصور رأس وعينين وشفتين و و و و .

بدأت في هذه اللحظة تدور أفكار في رأسينا . وكنا نهمس ثم نسكت نفكر، ثم نهمس ثم نسكت ونفكر، بعد فترة ساعة زمن، قال أبن عمي هل تسمع ما أسمع، ماذا تسمع يا ربيع، أسمع صوت إنسان يتألم، عجيب هل بدأت تخرف يا ربيع .

رد ربيع : لا ولكني أسمعه أنه إنسان يتأوه من الألم .

قلت له من أي جهة، قال من هذه الجهة وأشار إلى المدينة (المقبرة) .
قال ربيع : دعنى أتبع الصوت . خرج من البركة، وأنتظرت الخبر بفارغ الصبر .

فخلال تلك الثواني، أسمع الآن الصوت، إنه صوت رجل يتألم، عجيب، من أين هنا رجل، ربما هناك أحدهم قد ألقي بعيداً بعد ما فعل فيه أحد شيئاً أو أو أو وبدأت الأفكار تدور في رأسي، سوف أنتظر ربيع حتى يرجع بالخبر .

بعد دقيقتين جاء ربيع مهرولاً نحوي، وبدأ بلم ثيابه ولبسها بدون أن يتكلم، كانت عيناه وتعابير وجهه كالمفجوع ورجلاه أراهما ترتعشان، مما جعلني أيضا في فزع وأقول له : أيش هناك، خبرني .

لم يتسطع التكلم، وأشار بيد مرتعشه إلى المقبرة، ولا يستطيع التكلم مما رأى .

بهذه الطريقة أثار فضولي بشكل شديد والمجازفة لرؤية ما رآه ربيع .

فأتجهت صوب المدينة ( المقبرة ) وصوب الصوت، وبدأت أحدد مكان الصوت، أنه في المقبرة، وقفزت الجدار المحيط بالمقبرة (وكان غير مرتفع ربما قدم واحد فقط عن الأرض)، وتبعت الصوت، ومشيت نحوه، ووقفت لما علمت أن الصوت تحت رجلي أنه صادر من قبر قديم جداً، فلما تيقنت أن الصوت من القبر، في هذه اللحظة جاءتني حالة كأن أحداً ما رش ماءً يغلي عليّ، ووقف كل شعر رأسي وشعر جسمي، وبدأت الأرض تدور من حولي، فخشيت أن أسقط، فعدت مهرولاً نحو ربيع، الذي جمع ملابسه وملابسي ووضعها في السيارة . فأما أنا فلم يأتيني النوم تلك الليلة . وكان لي أبناء عم قضاة ومتدينين، فأتصلت بأحدهم في تلك الليلة وقلت له أريدك ضروري الليلة لأمر هام، وذهبت لمنزله، حيث قد جهز المجلس بالأطعمة (على عادت أهل عمان في الكرم) وكان الساعة تقريباً الثالثة صباحاً .

وقصصت عليه القصة، فأفادني بكلام طيب عن نعيم القبر وعذابه، وأن ربنا يحبنا لخصال فينا طيبة، فأراد لنا أن نرى قدرته وغضبه لمن عصى .
اللهم ثبتنا على الأيمان والعمل الخالص لوجهه الكريم .

ليست هناك تعليقات:

موسوعة أروع و أفضل القصص